أبو الحرث الليث بن سعد بن عبد الرحمن بن الحرث الفهمي
(94/711 ـ 175/791)
بقلم: محمد علي شاهين:
الإمام الحافظ شيخ الإسلام وعالم الديار المصريّة، أحد الأعلام،
مولى بني فهم، ولد بقلقشندة قرية بأسفل مصر (إحدى قرى القليوبيّة) وتكتب قرقشندة، ظهر فيها عدد من العلماء أمثال: أبو العباس القلقشندي صاحب (صبح الأعشى).
شهد انهيار الدولة الأمويّة، وخلافة أبي جعفر المنصور (136 ـ 158) والتقى معه في بيت المقدس، وأثنى عليه المنصور خيراً فقال: "أعجبني ما رأيت من سدّة عقلك، والحمد لله الذي جعل في رعيّتي مثلك".
رحل إلى الحجاز والعراق وأخذ عن علمائهما، وروى عن الزهري وعطاء ونافع وخلق، وعنه ابنه شعيب وابن المبارك وآخرون.
بلغت أحاديث الليث بن سعد التي رواها البخاري ومسلم والنسائي 9166 حديثاً.
كان حنفي المذهب، ولي القضاء بمصر،
وصفه ابن تغري بردي فقال: «كان كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير من بها في عصره، بحيث أن القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته».
امتاز بحس نقدي منذ صباه، وكان فقيه النفس والبدن، يحسن القرآن والنحو، وكان ثريّاً من الرجال نبيلاً سخيّاً،
وكان من منهجه الامتناع عن مجادلة أهل الأهواء، لأنّه كان يرى أن في مجادلتهم مضيعة لوقته، وإشهاراً لأمرهم، وفي ذلك يقول سعيد ابن أبي مريم: "سمعت الليث بن سعد يقول: بلغت الثمانين، وما نازعت صاحب هوى قط".
ولمّا فشت في مصر الأفكار الخاطئة التي تنال من الصحابة (رضوان الله عليهم) وخاصّة تلك المفتريات التي تتهم عثمان وتنتقص منه، نجح في كف الناس عنه، وفي ذلك يقول عثمان بن صالح: "كان أهل مص ينتقصون عثمان حتّى نشأ فيهم الليث بن سعد، فحدثهم بفضائله فكفّوا، وكان أهل حمص ينتقصون عليّاً حتّى نشأ فيهم اسماعيل بن عيّاش فحدثهم بفضائل علي، فكفّوا عن ذلك".
وكان من الكرماء الأجواد، وتروى عن كرمه حكايات، لا تكاد تصدّق ومنها: "يقول يحيى بن بكير: رأيت الفقراء يزدحمون على باب الليث بن سعد وهو يتصدق عليهم حتى لم يبق أحد منهم، ثم مشى وأنا معه على سبعين بيتًا من الأرامل ثم انصرف، فمشيت معه، فبعث غلامه بدرهم فاشترى خبزًا وزيتًا ثم جئت إلى بابه فرأيت أربعين ضيفًا، جاء إليهم باللحوم والحلوى فسألت غلامه: بالله عليك لمن الخبز والزيت؟ فقال: يطعم ضيفانه اللحم والحلوى، وما رأيته يأكل إلا خبزًا وزيتًا".
وهو أوّل من عرف بالتآليف في تواريخ الرجال، قال الذهبي في تذكرة الحفّاظ: صنّف التصانيف والتواريخ وذكر أنّ مصنّفاته سبعون كتاباً،
أحدث بمصر بعد عودته نهضة علميّة، وشارك في تقويم الحياة الاعتقاديّة،
اتبع منهجاً نقليّاً العقل فيه للفهم والاستنباط والتطبيق، ولم تكن إشراقيّته منهجاً في المعرفة،
مهّد السبيل للشافعي، أثنى عليه الشافعي فقال: الليث أفقه من مالك ولكن أصحابه لم يقوموا به،
صنّف كتاب: (التاريخ) و(المسائل في الفقه)
توفي بالفسطاط، ودفن في مقابر الصدف بالقرافة الصغرى.
وصفه ابن حبّان في الثقات وقال: كان الليث من سادات أهل زمانه فقهاً وورعا، وعلماً وفضلاً وسخاءً.
وقال ابن بكير كان الليث فقيه البدن عربي اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر حسن المذاكرة فما زال يذكر خصالا جميلة ويعقد بيده حتى عقد عشرة لم أر مثله.
وقال ابن أبي مريم: ما رأيت أحداً من خلق االله أفضل من ليث، وما كانت خصلة أتقرّب بها إلى الله إلا كانت تلك الخصلة في الليث.
كتب في سيرته: ابن حجر العسقلاني، (الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية)، وصدر عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت، (موسوعة الليث ابن سعد) أ. د. محمد رواس قلعجي.
_____________________________________________________________
(1) حسن المحاضرة ج 1 ص 303 جلال الدين السيوطي. (2) مقدمة محقق تاريخ جرجان ص 8 السهمي. (3) معجم البلدان م 7 ص 58 ياقوت الحموي. (4) غاية النهاية ج 2 ص 34 محمد بن محمد الجزري. (5) كتاب الليث بن سعد. (6) شذرات الذهب ج 1 ص 285 عبد الحي بن أحمد ابن العماد العكري. (7) حياة الحيوان الكبرى ج 2 ص 376 كمال الدين الدميري. (8) موسوعة الليث بن سعد ص 12 محمد روّاس قثلعجي (9) الأعلام م 8 ص 144، 148، 151.(9) سير أعلام النبلاء، مادة: الليث بن سعد، الحافظ الذهبي.