شيخ الإسلام شمس الدين أحمد بن سليمان
ابن كمال باشا
(873/1468-941/1534)
عالم موسوعي، مصنف واسع الاطلاع، كثير التآليف والرسائل، مؤرّخ، مفسّر، شاعر، ناظم،
نسب إلى جدّه ابن كمال باشا، وكان من أمراء الدولة العثمانيّة، وكان أبوه من قادة فتح القسطنطينيّة في عهد السلطان محمد الفاتح، أمّا جده لأمّه فهو قاضي العسكر محي الدين محمد بن كوبلو من كبار العلماء.
ولد في مدينة أماسيا (طوقات) من نواحي سيواس إلى الشمال الشرقي من تركيّا، في فترة دقيقة من تاريخ الدولة العثمانيّة وصفها الدكتور أورهان جانبولات:
" ظهر ابن كمال باشا في فترة حرجة سادت فيها الفتن الداخليّة والمؤامرات والأطماع الخارجيّة ونشط فيها الصفويّون وأصحاب البدع والعقائد المنحرفة الذين تصدّى لهم العلماء وعلى رأسهم ابن كمال باشا".
ظهرت مواهبه منذ صباه، قرأ الحديث في مدرسة الحديث بأدرنة، تلقى على المولى القسطلاني، والمولى خطيب زادة، والمولى معروف زادة، وغيرهم من فحول عصره.
نبغ في العلوم، وصرف فيه جميع أوقاته، وأتقن العربيّة والفارسيّة وأجادها إلى جانب التركيّة لغته الأم وألّف فيها.
قام بتصحيح المفاهيم المنحرفة، وتصدّى للباطنيّة، وتصدر التدريس بالمدرسة الحجريّة والمدرسة الحلبيّة ومدرسة السلطان بايزيد بأدرنة، ثم عيّنه السلطان سليم قاضياً للعسكر الأناضولي سنة 921/1515، وكتب للسلطان رسالة في الرد على الشيعة، واصطحبه معه إلى مصر، حيث لقي العلماء ونال إعجابهم، ثم عزله وأعطي دار الحديث التي قرأ بها، وعندما توجّه السلطان سليمان لمعركة موهاج أعطي إدارة استانبول، ثم عيّن في منصب شيخ الإسلام في الدولة العثمانيّة، ومفتي القسطنطينية خلفاً للمولى علي الجمالي سنة 932/1526 حتى وفاته.
استوعب العلوم اللغويّة والدينيّة والتاريخيّة، فلمّا نضج عقله صنّف وألّف ونظم وفسّر وأجاد، وكان غزير الإنتاج، قيل إنّ كتبه بلغت مئة وتسعة وعشرين كتاباً سوى الرسائل.
لقّب بمفتي الثقلين (الإنس والجن) لسعة علمه، وإحاطته بالمسائل الشرعيّة، وعدّه التاجي في جملة العلماء الموسوعيين فقال: قلّما يوجد فن من الفنون ليس لابن كمال مصنّف فيه.
صنف كتاب: (طبقات الفقهاء) و(طبقات المجتهدين) في مذهب الحنفية، و(المهمات) في فروع الحنفيّة، و(الايضاح في شرح الإصلاح) وهو توضيح وتنقيح وتكميل على شرح الوقاية للإمام صدر الشريعة المحبوبي، و(التوضيح في شرح التصحيح على متن السراجيّة) وهو من أمّهات الكتب في المذهب الحنفي في علم الفرائض والمواريث، و(مسائل الاختلاف بين الأشاعرة والماتريديّة) و(تنقيحُ التنقيحِ في أصول الفقه) و(دقائق الحقائق) جمع حقائق اللغة وقدمه إلى الوزير ابراهيم بن خليل باشا، وله (التعريفات) و(المنشآت) وجمع فتاويه في (الفتاوى)، و(التعريفات والاصطلاحات) وألّف (التجويد في علم الكلام) وشرحه في (تجريد التجريد).
وقامت دار اللباب مشكورة بنشر مئة رسالة من رسائله في ثمانية مجلّدات، بتحقيق الدكتور حمزة البكري ورفاقه، أفردت فيها للتفسير مجلّداً، وكذلك للحديث واللغة العربيّة والعقائد وخصّت مجلّدين لعلم الكلام، وأفردت للفهارس مجلداً.
قالوا بلغت رسائله المائة، قال اللكنوي: لعلها تزيد الثلاثمائة، منها (رسالة الروح) و(رسالة في حد الخمر) و(رسالة في الجسم) و(رسالة المنقولات) و(رسالة في بيان الفرق الضالّة) و(رسالة في تكفير الروافض).
وصنف تفسيرا لطيفا فيه تحقيقات شريفة وتصرفات عجيبة لم يكمله، وكتب الحواشي على تفسير البغدادي والكشاف وشرح البخاري،
أرّخ بتشجيع من السلطان بايزيد الثاني للدولة العثمانيّة منذ قيامها سنة 299 هـ حتى سنة 933 هـ في كتاب (تاريخ آل عثمان) .
شرح (مشارق الأنوار للصاغاني) و(مصابيح السنة للإمام الفراء البغوي) و(مفتاح العلوم للسكاكي) و(رياض الصالحين) و(خمريّة ابن الفارض).
واشتهر كتابه (رجوع الشيخ إلى صباه) قام بتأليفه باشارة من السلطان سليم الأول وأتم طباعته في سنة 903 هـ ، ويشتمل الكتاب على ثلاثين باباً تتعلق بأسرار الرجال و ما يقويهم على النكاح من الأدوية والأغذية, و الثاني يشتمل على ثلاثين باباً تتعلق بأسرار النساء و ما يناسبهن من الزينة.
له ديوان شعر ومنظومة (يوسف وزليخا) في سبعة الاف وسبع مائة وسبعة وسبعين بيتاً باللغة التركيّة، جسّد فيها عشق امرأة العزيز ليوسف الصدّيق عليه السلام وتوبتها، ومنظومة (بهارستان)، و(نكارستان) بالفارسيّة على منوال روضة الورد (كلستان سعدي الشيرازي).
ترجم الى اللغة العثمانيّة التركية بأمرٍ من السلطان سليم خان عند دخوله مصرَ (كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والآخرة لابن تغري بردى).
وتحفل خزائن كتب حواضر الإسلام بنفائس كتبه المخطوطة بانتظار جهابذة المحقّقين.
توفي بالقسطنطينية، أثنى عليه كتّاب التراجم فقال طاش كبري زادة صاحب (الشقائق النعمانيّة) ووصفه: "صاحب أخلاق حميدة حسنة وأدب تام، وعقل وافر، وتقرير حسن مخلص.
وقال: كان في العلم جبلاً راسخاً وطوداً شامخاً، وكان من مفردات الدنيا ومنبعاً للمعارف العليا."
أفتى بمحاربة الدولة الصفويّة بسبب ما تمثّله من أخطار على الوحدة الإسلاميّة، ووجوب دفع فتنتها، مما كان له أبلغ الأثر في قيام السلطان سليم الأوّل بمحاربة إسماعيل شاه الصفوي في معركة (جالديران) سنة 920/1514، والانتصار عليه.
وأفتى بقتل أهل البدع، وأنّه لا تقبل ذبيحتهم ولا ينكحون، ولا يسمح لهم بدخول المساجد، والحلوليّة والباطنيّة منهم لا يدفنون في مقابر المسلمين لأنّهم في حكم المرتد.
وكان يرى أنّ سلاطين الدولة العثمانيّة هم سلاطين جميع المسلمين، وهم حماة دين الإسلام، وحماة عقيدة أهل السنّة وحدود الدولة العثمانيّة هي حدود ديار الإسلام.
كتب في سيرته الدكتور سعيد حسين باغجوان (شيخ الإسلام ابن كمال باشا وآراؤه الاعتقادية: دراسة نقدية على ضوء عقيدة السلف)
______________________________________________________________
(1) الكواكب السائرة ج 2 ص 107 محمد بن بدر الدين محمد الغزي. (2) كشف الظنون 1106 حاجي خليفة. (3) تاريخ الأدب التركي الإسلامي ص 95 محمد الهريدي. (4) معجم المؤلفين ج 1 ص 238 عمر رضا كحالة. (5) مقدمة رسائل ابن كمال باشا، ناصر الرشيد. (6) شذرات الذهب ج 8 ص 238 عبد الحي بن أحمد ابن العماد العكري. (7) الألوكة مقال: مؤلفات الإمام ابن كمال باشا الحنفي، لمحمود شمس الدين أمير الخزاعي. (8) التحوّلات الفكريّة في العالم الإسلامي من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر الهجري، تحرير الدكتور عليان الجالودي، مقال: شيخ الإسلام ابن كمال باشا ص 97 أورهان صادق جانبولات. (9) صفحتان من مخطوط رجوع الشيخ إلى صباه لابن كمال باشا.