مع بناة الإسلام
كتاب رائع يسد ثغرة في المكتبة الإسلامية، في أدب التمثيليات الإذاعية..
يقع الكتاب في نحو 260 صفحة من القطع الكبير، ويضمّ ثلاثاً وعشرين تمثيلية إذاعية، تتناول كل منها حياة واحد من عظماء الصحابة الذين بنوا صرح الإسلام، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم حتى قامت بهم دولة الإسلام، واشتد عودها، وامتدّت فتوحاتها.
الطنطاوي، صاحب القلم السيّال، والإنتاج الغزير، والغيرة على دين الله.
أبرز سمات الكتاب:
أدعُ لأهل الأدب واللغة أن يقوّموا الكتاب من زاويتهم، وأسجّل هنا أبرز سماته مما يتصل بالجانب التربوي:
1- يبحث الكتاب عن مفتاح كل شخصية من الشخصيات الفذّة التي تحدث عنها، ويبرز المواقف التي ترسم ملامح تلك الشخصية.
2- يتحرّى أسلوب الحوار الممتع، بلغة عربية فصيحة سلسلة، وطرائق فنية جذابة مؤثّرة، تعين على تجلية المعلومات والمواقف والقيم، فيشرك في الحوار راوياً يوطّئ للحوار، ويثريه بمداخلات لطيفة، وجَدَّاً يعرض الموضوعات ويبرز القيم العليا المقصودة، بأسلوب تربوي جميل، وحفيدين ذكيين يجمّلان ويكمّلان بتعليقاتهما، فضلاً عن مؤثرات صوتية جانبية تضفي على الحوار حيوية، وتجعل المستمع (أو القارئ) يعيش في جو الأحداث.
وفي كثير من الفصول يأتي الصحابي ليتكلم بنفسه عن حياته وذكرياته، ويجيب على أسئلة الحاضرين ويعلّق على مداخلاتهم.
3- وتظهر شخصية الكاتب في كل فقرة، فهو ليس مجرد مؤرخ ينقل الحقائق، أو قاصّاً يقصد الإمتاع، بل هو أحد حماة هذا الدين، وحفيد بُناة الذين يتحدث عنهم، وأحد أبنائه الذين يتمسكون به في زمنٍ "القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر" وهو يرى حقد الحاقدين عليه، وكيد الكائدين به، وبطش العتاة المجرمين الذين يبغون استئصاله، وتكالب أعدائه الذين يرمونه عن قوس واحدة.. وتخاذل المصوبين على هذا الدين العظيم، الذين جعلوا معيار السداد سلامتهم الشخصية، وسلامة مصالحهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة: 33.
4- وتتجلى رسالة الكاتب في كتابه بإبراز عدد من القيم العليا، منها:
* إعلاء قيمة الجهاد في سبيل الله، وما يرتبط بها من قيم كالشجاعة والبطولة والتضحية والفداء..
* تمجيد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما هم أهل له، في عصر وجد فيه من يحاول أن يطمس أمجادهم، ويبرز شخصيات لا تعد شيئاً أمام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل في عصر وجد فيه من يتطاول على الصحابة الكرام ويتكلم في حقهم بالباطل.
* أبرز أهمية أن يكون القائد قدوة لأتباعه، فالناس يقتدون بسلوك القائد –في نفسه وأهله- أكثر مما يقتدون بكلام لا يجدون أثره في حياة المتكلم (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون).
* إبراز أهمية الإيمان بالله تعالى، فالإيمان عُدّة النصر، وهو الكفيل بنصر القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة.
* تأكيد أهمية وحدة المسلمين وتلاحم صفوفهم: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنهم بنيان مرصوص) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
* الاهتمام بفلسطين والقضية الفلسطينية وتحرير المسجد الأقصى.
* أهمية احترام الوقت، وضبط المواعيد.
5- وتظهر الروح التعليمية في مواطن كثيرة من الكتاب، بأن يصحح خطأ لغوياً يجري على لسان أحد الحفيدين، أو يشرح كلمة غامضة علينا، نحن أبناء الجيل الذي ابتعد عن نبع الفصاحة، فيشرح مثلاً معنى السقاية والرفادة، ومعنى المُشاش (فيقول: هي رؤوس العظام اللينة) ومعنى استقام المنْسِم (أي تبيّن الطريق ووضح).
وبعد، فالكتاب جهد مبارك إن شاء الله، وقد أدى الرسالة أداءً ممتازاً، فنسأل الله تعالى القبول من مؤلفه، والإفادة لقارئه.