محمد عماره مصطفى عماره 

نشر بتاريخ: الأحد، 05 نيسان/أبريل 2020 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

دعا للنضال بكل السبل والوسائل لرفع عار الاستبداد وقيوده عن واقع المسلمين

(1350/1931 _  1441/2020)

أحد أعلام الإسلاميّين البارزين في عصر الصحوة، مفكّر إسلامي قدير، كاتب محقّق غزير الانتاج، عضو مجمع البحوث الإسلاميّة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، وعضو المعهد العالي للفكر الإسلامي.

ولد في مركز قلين ـ كفر الشيخ بجمهوريّة مصر العربيّة. 

حفظ القرآن وجوّده في كتّاب القرية، في سن مبكّرة، تخرّج من كليّة دار العلوم بجامعة القاهرة، ونال منها شهادة ليسانس في اللغة العربيّة والعلوم الإسلاميّة عام 1965 ودرجة الماجستير في العلوم الإسلاميّة، تخصّص فلسفة إسلاميّة من كليّة دار العلوم أيضاً عام 1970، والدكتوراه في الفلسفة الإسلاميّة، من جامعة القاهرة عام 1975، وموضوع أطروحته: (نظرية الإمامة وفلسفة الحكم عند المعتزلة). 

عاش حياة بسيطة أقرب إلى الحد الأدنى من الكفاف،  وكان في زهده وانقطاعه للعلم والبحث والتأليف أشبه بالرهبان في صوامعهم. 

 

تنقّل من وهم اليسار النظري، إلى القومية العربية بصخبها وضجيجها، إلى دوحة الإسلام حيث وجد فيه السكينة والأمان، فأعطاه حياته كلّها، وكان أميناً على قيمه ومبادئه، محباً لأعلامه. 

ملأ الحياة الفكريّة بكتبه ومقالاته ومحاضراته، وكان صاحب حضور قوي وتأثير نافذ بثقافته الواسعة وقدرته الهائلة على الجدل والمناظرة.                            

وفي حوار له مع مراسل مجلّة عربيّة تصدر في باريس تناول فيه الإسلام وخصومه، عدّد خصوم الإسلام من الداخل فذكر خمسة أصناف: المفكّرون الذين يعادون الإسلام لأنّهم يجهلون ثراءه العظيم فراحوا يبحثون عن ضالتهم في المذاهب الأجنبيّة ؛ والذين يعرضون الإسلام انطلاقاً من الجمود والتقليد والانغلاق والتشدّد، والذين يتصوّرون أن منهج الإسلام في التغيير هو منهج العنف العشوائي أو المنهج الانقلابي ؛ والمثقفون الذين تربّوا في ديار الغرب وعادوا وهم يجهلون تميّز الحضارة العربيّة ويجهلون الإسلام ديناً وعقيدة وشريعة وقيماً وأخلاقيّات وحضارة وسياسة ؛ والذين يعيشون في حمى الهيمنة الخارجيّة ويريدون إلغاء هويّة الأمّة وتميّزها الحضاري.         

وتحدّث عن خصوم الإسلام من خارجه فصنّفهم إلى: المفكّرون الاستراتيجيّون في الغرب ممن يعرفون حقيقة الإسلام ؛ وإسرائيل التي تعادي الإسلام ويزعجها تديّن الأمّة ؛ والدوائر السياسيّة والعلميّة في أوروبا وأمريكا ؛ المبشّرون وهؤلاء يمثّلون خصماً تاريخيّاً للإسلام ؛ والمستشرقون الذين مهّدوا للغزو العسكري والسياسي والحضاري. 

وخصوم الداخل عنده هم: المفكّرون الذين يعادون الإسلام لأنّهم يجهلون ثراءه العظيم، فراحوا يبحثون عن ضالتهم في المذاهب الأجنبيّة ؛ والذين يعارضون الإسلام انطلاقاً من الجمود والتقليد والانغلاق والتشدّد ويشوّهون صورته بهذه الطريقة المتزمّتة ؛ والذين يتصوّرون أنّ منهج الإسلام في التغيير هو منهج العنف العشوائي أو المنهج الانقلابي ؛ ونخبة المثقّفين الذين تربّوا في ديار الغرب وعادوا وهم يجهلون تميّز الحضارة العربيّة، ويجهلون الإسلام ديناً، وعقيدة، وشريعة، وقيماً، وأخلاقيّات، وحضارة وسياسة ؛ ورموز تلك الفئة الذين يمكن أن يجتمعوا تحت لافتة (العمالة الحضاريّة) للغرب ويعيشون في حمى الهيمنة الخارجيّة ويريدون إلغاء هويّة الأمّة وتميّزها الحضاري.

وفي كتابه: (الإسلام وحقوق الإنسان) قدّم مجموعة من الوثائق، أراد أن يسلّط الأضواء، ويلفت الأنظار، ويوجّه الأفكار، إلى حقيقة تاريخيّة تقول: إنّ تاريخنا لم يكن ظلاماً كلّه، وأن التناقض بين التطبيق في هذا التاريخ، وبين الفكر، لم يكن كاملاً ولا حاداً ولا دائماً، وقال: إنّ ديناً لم يكرّم الإنسان كما كرّمه دين الإسلام، وأنّ شريعة من الشرائع الدينيّة أو الوضعيّة لم ترفع حقوق الإنسان إلى مرتبة (الضرورات الشرعيّة الواجبة) كما صنعت ذلك شريعة الإسلام، ودعا للنضال بكل السبل والوسائل الإسلاميّة لرفع عار الاستبداد وقيوده عن واقع المسلمين، ولتنقية الفكر الإسلامي من التشوّهات التي زرعها فيه نفر من علماء السوء وفقهاء السلاطين.

له أكثر من مئة كتاب منشور في الفكر الإسلامي والحضارة الإسلاميّة، ومئة كتاب أخرى تحت الطبع.

كتب في أعلام التجديد الإسلامي ورموزه، وتناول سيرة سيّد قطب والمودودي إلى جانب الأفغاني ومحمد عبدة، وكتب في تراجم الصحابة، وتناول في كتابه: (معالم المشروع الحضاري في فكر الإمام الشهيد حسن البنا) الذي تجسّد في حركة التجديد و الاجتهاد و الاحياء التي استهدفت تحرير العقل المسلم من أغلال الجمود و التقليد , ليتمكن من مواجهة التحدي الحضاري الغربي، ووصفها بأنّها كانت بمثابة حل عقد الاوهام عن قوائم العقول, و إنهاض دولة اسلامية من ضعفها, و تنبيهها للقيام على شؤونها , حتي تلحق بالامم العزيزة القوية، فيعود للاسلام شأنه وللدين الحنيف مجده.

طرح مشروعه الفكري الذي تناول فيه أخطر ما يشغل العقل العربي المعاصر في أربعة مجلّدات هي: (الإسلام وفلسفة الحكم) و(الدولة الإسلاميّة بين العلمانيّة والسلطة الدينيّة) و(الدين والدولة في تراث الإسلام) ومجلد الوثائق والرؤى والاجتهادات حول (الإسلام وأصول الحكم) وألّف: (نظرة جديدة إلى التراث) دعا فيه إلى إحياء الجوانب المشرقة والمتقدّمة من الفكر الإسلامي لتكون زاداً ينمّي طاقاتنا المبدعة، وقدراتنا على حسم الصراع، وتدعيم التسامح الوطني، والديني والإخاء الإنساني، و(معالم المنهج الإسلامي) و(الأمّة العربيّة وقضيّة التوحيد) و(إسرائيل هل هي ساميّة) و(الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلاميّة) و(معارك العرب ضد الغزاة) و(العرب والتحدي) و(الإسلام والحرب الدينيّة) و(الإسلام والسياسة) و(الإسلام بين التنوير والتزوير) و(الإسلام والأمن الاجتماعي) و(الإسلام والفنون الجميلة) و(التفسير الماركسي للإسلام) دحض فيها آراء وأفكار خصوم الإسلام في الداخل والخارج، وله: (في فقه الحضارة الإسلاميّة) و(في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام) و(الأصوليّة بين الغرب والإسلام) و(مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربيّة) و(الإسلام والأقليّات.. الماضي والحاضر والمستقبل) و(تيّارات الفكر الإسلامي) و(معركة الإسلام وأصول الحكم) و(الجامعة الإسلاميّة والفكرة القوميّة، نموذج مصطفى كمال) و(عندما أصبحت مصر عربيّة إسلاميّة) و(التيار القومي الإسلامي) و(في المسألة القبطيّة ـ حقائق وأوهام) و(سقوط الغلوّ العلماني).

وله كتاب (العروبة في العصر الحديث ـ دراسات في القوميّة والأمّة) هاجم فيه كل الدعوات التي نادت بانقطاع صلة مصر فكريّاً أوسياسيّاً بالعرب والعروبة، واعتبر هذه الدعوات التعبير الفكري والسياسي عن النمو الذاتي والخاص الذي أخذت تسير فيه مصر، مستجيبة لما فرض عليها من عوامل الحصار الاستعماري للقوى الاجتماعيّة والقوميّة، وأنّ ما تم فرضه على مصر داخل الحصار الاستعماري، فرض على بقيّة الأقطار العربيّة. 

ورأى أنّ الازدواجيّة التي أصابت مصر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين جعلتها في حيرة بين الوطنيّة المصريّة المحليّة والقوميّة العربيّة الشاملة، ومع هذا فلم تؤثّر بأي حال من الأحوال على قيام مصر بدورها العربي الرائد في شتّى المجالات. 

وعندما أبدى (شيمون بيريز) انزعاجه من النتائج التي حصل عليها (حزب الرفاه الإسلامي) في تركيّا لأنّ إسرائيل حريصة على أن تظل تركيّا علمانيّة، اتهم عمارة المثقّفين العرب الذين يتّخذون مواقف مشابه لمواقف زعماء الصهيونيّة في معاداة اشتراك الأحزاب الإسلاميّة في الحياة السياسيّة، ويرفضون تقدّم هذه الأحزاب وتمتّعها بالشرعيّة، ووصفهم بأنّهم يقفون مع (بريز) في الموقع المعادي للتوجّه الإسلامي الحريص على العلمانيّة بقدر حرصه على إزاحة الإسلام والمسلمين. 

واتّهم الذين يتّخذون من الإسلام عدوّاً لهم من أبنائنا ومثقّفينا ونخبنا الفكريّة بالوقوف في خندق الأعداء الذين يخاصمون الإسلام.

وقال: إنّهم يخاصمون الإسلام عن علم بحقيقته وحضارته لأنّهم أصبحوا توابع للحضارة الغازية المهيمنة، بعد أن أصبحوا أسرى النموذج الغربي وأفكاره.

ونعى على الذين يتّخذون موقفاً معادياً من تدريس الدين والثقافة الإسلاميّة في مدارسنا وجامعاتنا ويمحون من المناهج التعليميّة كل ما كتب عن الجهاد والغزوات ضد اليهود في الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة، ويطمسون الفتوحات الإسلاميّة، واتهمهم بمحو ذاكرة الأمّة من الناحية التاريخيّة، والناحية الجهاديّة، والناحية العقيديّة، وإزالة حصون المقاومة الإسلاميّة أمام الزحف الغربي.

وأشار إلى جوهر مشكلة الصراع في المنطقة وهو: أنّ المشروع الصهيوني ينفي المشروع العربي والمشروع الإسلامي معاً ؛ وأنّ الأزمة مع المشروع الغربي تتجسّد في الدوائر المعادية للإسلام والمخاصمة له، وهي تتمثّل في مراكز البحث العلمي، ومراكز صنع القرار، ودوائر السياسة والحكم التي تخطّط لهزيمة الإسلام.

وقال: إنّ ما يفعله المنصّرون من إخراج المسلمين من دينهم موقف لا أخلاقي، ووصفه بأنّه موقف سياسي عميل في خدمة الهيمنة الاستعماريّة، ولا علاقة له بالدين. 

ووجد أنّ القرآن يؤسس لفلسفة اسلامية متميزة في رؤية الكون.. والحياة.. والعلاقات بين الاحياء.. وفي هذه الفلسفة الاسلامية المتميزة معالم رئيسية، أشار إلى عدد منها: الواحدية والأحدية ـ التي تبلغ قمة التنزيه والتجريد ـ هي فقط للذات الالهيّة ؛ وأنّ للتنوع والتمايز والتعدد والاختلاف سنّة إلهيّة كونيّة مطّردة في سائر عوالم المخلوقات.. من الجماد الى النبات الى الحيوان الى الانسان وعوالم الأفكار.. وأنّ هذه التعددية هي في إطار وحدة الأصل الذي خلقه الله سبحانه وتعالى.. فالإنسانيّة التي خلقها الله من نفس واحدة تتنوع إلى شعوب وقبائل وأمم وأجناس وألوان، وكذلك إلى شرائع في إطار الدين الواحد.. وإلى مناهج، أي ثقافات وحضارات في إطار المشترك الإنساني الواحد، الذي لا تختلف فيه الثقافات.. كما تتنوع إلى عادات وتقاليد وأعراف متمايزة حتى داخل الحضارة الواحدة، بل والثقافة الواحدة ؛ هذا التنوع والتمايز والتعدد والاختلاف ـ الذي هو آية من آيات الله، سبحانه وتعالى ـ له مقاصد عديدة منها: تحقيق حوافز التسابق على طريق الخيرات بين الفرقاء المتمايزين، من هذه المقاصد فتح أبواب الحرية للاجتهاد والتجديد والإبداع، الذي يستحيل تحقيقه من دون تفرّد وتمايز واختلاف ؛ إنّ علاقة الفرقاء المتمايزين والمختلفين والمتعدّدين يجب أن تظل في إطار الجوامع الموحدة..وعند مستوى التوازن والعدل والوسطية ؛ ورأى أنّ ثقافة الإسلام ترقّق القلب وتوقظ العقل، ووسطيّة الإسلام تجمع بين القلب والعقل

قال: إن الإخلاص الحقيقي للسلف  هو المحافظة على آثارهم الحضاريّة، لا باعتبارها رماداً ميتاً، ولكن باعتبارها لهباً حياً.

حقّق ونشر الأعمال الكاملة لعدد من المتميّزين في ميدان التراث، كالإمام جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبدة، وعلي مبارك، ورفاعة الطهطاوي، وعبد الرحمن الكواكبي. 

حاز على جائزة الدولة التشجيعيّة بمصر سنة 1976 ووسام التيّار الفكري الإسلامي سنة 1998.

وأثنى الأستاذ سيف الدين عبد الفتاح على جرأته وشجاعته يوم صمت العلماء، بعد انقلاب الثالث من تموز فقال: خرج عمارة ليعلن بيانا للناس، مؤكداً أن ما حدث هو انقلاب عسكري على التحول الديمقراطي الذي فتحت أبوابه ثورة 25 يناير 2011، والذي تمت صياغته في الدستور الجديد الذي حدد قواعد التبادل السلمي السلطة عن طريق صندوق الاقتراع كما هو متبع في كل الدول الديمقراطية، وأن هذا الانقلاب العسكري يعيد عقارب الساعة في مصر إلى ما قبل ستين عاما، عندما قامت الدولة البوليسية القمعية التي اعتمدت سبل الإقصاء للمعارضين، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح الشعب المصري كله معزولا سياسيا، يتم تزوير إرادته، ويعاني من أجهزة القمع والإرهاب، وأن هذا المسار الذي فتح هذا الانقلاب أبوابه لا يضر فقط بالتحول الديمقراطي للأمة، وإنما يضر كذلك بالقوات المسلحة، عندما يشغلها عن مهامها الأساسية. وفي الهزائم التي حلت بنا في ظل الدولة البوليسية عبرة لمن يعتبر".

ووصف الدكتور أحمد بن عثمان التويجري سجايا الفقيد فقال: عرفت فيه الصدق والنقاء الوجداني، والعلم الغزير، والثقافة الموسوعيّة، والفكر الأصيل، والفصاحة والبيان، وقبل ذلك كلّه الثبات على المبدأ، والشجاعة المنقطعة النظير في الدفاع عمّا يعتقد أنّه الحق، رحمه الله.

أعطى الدكتور محمد عمارة الإسلام حياته كلّها، وسخّر قلمه وبيانه لخدمة الفكر الإسلامي، وكان قوي الحجّة على أهل الزيغ والفساد، قدّم للأمّة مشروعاً حضاريّاً نهضويّاً وسطيّاً، يجب الاستفادة منه، ولم يزل قائما على هذه الثغرة حتى وافاه الأجل المحتوم يوم الجمعة 28/2/20210م  

وشيّع أهالي قرية صروة بمركز بقلين في محافظة كفر الشيخ، جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير بمقابر العائلة في مسقط رأسه.   

______________________________________________________________ 

(1) الإسلام وحقوق الإنسان ص 142و 148 محمد عمارة. (2) نظرة جديدة إلى التراث ص 8 محمد عماره. (3) الكتابة خارج الزمن الرديء، ولكنكم غثاء  ص 160 حسن التل. (4) موسوعة الفكر القومي العربي ص 161 د. نبيل راغب. (5) مجلّة الوطن العربي س 20 ع 1011 تاريخ 19/7/1996 حقيقة المشروع الغربي لنفي المشروع الإسلامي، حاوره: محمد بركات. (6) صحيفة الشرق الأوسط تاريخ 15/2/2003 مقال: د. محمد عمارة: التعدديّة والاختلاف سنّة إلهيّة كونيّة. (7) منتدى العلماء رحم الله مفكّر الأمّة الكبير الدكتور محمد عماره، بقلم: د. أحمد عثمان التويجري. (8) عربي 21 ـ 3/3/2020 العالم الفذ محمد عمارة  أحداث كاشفة، بقلم: سيف الدين عبد الفتاح.

 

الزيارات: 1664