أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
كبير المحدّثين وإمامهم بلا منازع وأحد أكابر الحفّاظ الفقهاء
(58/678 - 124/741)
أعلم أهل المدينة، أول من دوّن الحديث، علامة الحجاز والأمصار، أحد الفقهاء المحدثين الأعلام، كبير المحدّثين وإمامهم بلا منازع، وأحد أكابر الحفّاظ الفقهاء، وراوية أخبار رسول الله (ص) وأصحابه، من التابعين بالمدينة المنورة، من أوائل العلماء المسلمين الذين سمحوا بتدوين محاضراتهم.
وصف بأنّه كان ذا تفكير حر، ورائداً في الاستقصاء والتحقيق والتمحيص، كان يتمتع بذاكرة قوية ودأب وصبر على البحث والتقصي.
يعود نسبه إلى بني زهرة القرشيّون، ولد أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبدالله بن شهاب الزهري القرشي بمكة سنة 58هـ، حفظ القرآن في ثمانين ليلة، ثم طلب علم الأنساب، ثم طلب الحديث والفقه على سعيد بن المسيّب، ثم علم المغازي على عروة بن الزبير، وكان شديد حفظ العلم وتقييده.
وتحدث ابن سعد عن نشأته فقال: "سمعت الزهري ، يقول: نشأت وأنا غلام ، لا مال لي ، ولا أنا في ديوان ، وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، وكان عالما بذلك وهو ابن أخت قومي وحليفهم ، فأتاه رجل ، فسأله عن مسألة من الطلاق فعي بها وأشار له إلى سعيد بن المسيب ، فقلت في نفسي : ألا أراني مع هذا الرجل المسن يذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه ، ولا يدري ما هذا ؟ ! فانطلقت مع السائل إلى سعيد بن المسيب ، وتركت ابن ثعلبة ، وجالست عروة ، وعبيد الله ، وأبا بكر بن عبد الرحمن حتى فقهت".
وقرأ على أنس بن مالك وروى عن ابن عمر وجابر بن عبد الله شيئاً قليلاً، كما روى عن سهل بن سعد، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، والسائب بن يزيد وغيرهم.
وروى عن الزهري جماعة من الأعلام أمثال: مالك بن أنس ، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، ومحمد بن إسحق.
ولمّا ورد الزهري الشام اتصل بعبد الملك بن مروان فأعجب بروايته وحفظه ومعرفته بالأنساب، وأمر أن يكتب حديثه عن أمّهات الأولاد في الآفاق، وسأله أن يختار مكان ديوانه، فاختار ديوان أمير المؤمنين، وأمر أن يثبت في صحابته، وأن يجري عليه رزق الصحابة ، وأن يرفع فريضته إلى أرفع منها، وتوفي عبد الملك ، فلزم ابنه الوليد ، ثم سليمان ، ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم يزيد ، فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهري ، وسليمان بن حبيب المحاربي جميعا.
قال الزهري: ثم لزمت هشام بن عبد الملك ، وصير هشام الزهري مع أولاده ، يعلمهم ويحج معهم.
أثنى عليه الخليفة عمر بن عبد العزيز فقال: ما ساق الحديث مثل الزهري، وما أتاك به الزهري بسنده فاشدد يدك عليه. وقال: عليكم بابن شهاب هذا فإنكم لا تلقون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه، وأمره بتدوين حديث رسول الله (ص) فوضع في ذلك كتاباً.
أجمع العلماء على عدالته وأمانته في نقل الحديث، واتفقوا على توثيقه، وقال ابن حبان: "كان من أحفظ أهل زمانه، وأحسنهم سياقاً لمتون الأخبار، وكان فقيهاً فاضلاً، روى عه الناس".
وكان ناصحاً أميناً لخلفاء بني أميّة، مرشداً لهم إلى ما فيه صلاح الأمّة، مربياً لأبنائهم وخاصّة أبناء هشام، وكان أبعد الناس عن النفاق.
له نحو ألفا حديث، قال أبو داود: حديثه ألفان ومئتا حديث النصف منها مسنده، وكان الزهري يقول: كنا نكره الكتاب حتى أكرهنا عليه الأمراء فرأيت أن لا أمنعه مسلماً.
وردت عنه الرواية في حروف القرآن. قال أبو الزناد: كان يكتب كلما سمع فلماً احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس وكان قوي الذاكرة.
قال: عنه الليث بن سعد: ما رأيت عالماً قط أجمع من الزهري.
واشتهر الزهري بالكرم حتّى قيل فيه: كان أسخى من رأيت ، كان يعطي ، فإذا فرغ ما معه يستلف من عبيده، وفيه يقول الشاعر فائد بن أقرم مادحاً:
ذر ذا وأثن على الكريم محمد واذكر فواضله على الأصحاب
وإذا يقال : من الجواد بماله؟ قيل : الجواد محمد بن شهاب
أهل المدائن يعرفون مكانه وربيع ناديه على الأعراب
جمع كتاباً في المغازي وأخبار قريش والأمصار، وكتب في السيرة: (مغازي محمد بن مسلم الزهري)، جمعها الدكتور سهيل ذكار من بطون الكتب وسماها باسم: (المغازي النبويّة)، و(أسنان الخلفاء) وأحاديث (الزهريات) ونسب إليه (تنزيل القرآن) و(الناسخ والمنسوخ)، وجمع محمد بن نوح فتاويه في ثلاثة أسفار ضخمة على أبواب الفقه.
وقال الإمام أحمد: "الزهري أحسن الناس حديثاً، وأجود الناس إسناداً".
وقال الإمام مالك: "بقي ابن شهاب وماله في الدنيا نظير"،
توفي الزهري في قرية أَدَامَى وهي خلف شغب على حدود فلسطين من جهة الحجاز في 17 رمضان 124هـ، في خلافة هشام بن عبد الملك، وأوصى أن يدفن عن قارعة الطريق، ليمر مار فيدعو له.
وقد مر الأوزاعي بقبره يوماً، فوقف عليه، وقال: "يا قبر كم فيك من علم ومن حكم، يا قبر كم فيك من علم ومن كرم، وكم جمعت رواياتٍ وأحكاماً".
المراجع:
(1) وفيات الأعيان ج 2 ص 23 أحمد بن محمد ابن خلكان. (2) تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري (3) أعلام الموقعين م 1 ص 23. (4) مراجع مختارة عن حياة الرسول (ص) ص 28 محمد ماهر حمادة. (5) حدائق الأنوار مقدمة المحقق عبدالله الأنصاري. (6) شذرات الذهب ج 1 ص 162 لعبد الحي بن أحمد ابن العماد العكري. (7) سير أعلام النبلاء ج 5 ص 326 شمس الدين محمد الذهبي.