الإمام مالك بن أنس بن نافع بن عمرو الأصبحي

نشر بتاريخ: الأربعاء، 05 تموز/يوليو 2017 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

أحد الأئمّة الأعلام إمام دار الهجرة

 (94/710-179/795)

إمام دار الهجرة، فقيه الحجاز، أحد كبار الأئمة الأعلام، تابعي، صاحب المذهب المالكي
ينتهي نسبه إلى ملوك حمير، ولد بالمدينة وبها تكونت عقليته العلمية، وسمع من تسعمائة شيخ الحديث؛ ثلاثمائة من التابعين وستمائة من تابعيهم، تتلمذ على ابن هرمز وكان يخصه بالدرس والشرح ويحدثه بخاص الأمور مما لا يحدث به سواه، وعلى ابن شهاب الزهري، وربيعة الرأي، ونافع مولى ابن عمر، وجعفر الصادق، ونشأ في صون ورفاهية وتجمل، وطلب العلم وهو ابن بضع عشرة سنة وتأهل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة.


كان أعظم الخلق مروءة وأكثرهم صمتا، قليل الكلام، تجنب أصحاب الفرق والأهواء، ونقل العلم رواية، وفسرها رواية معتمدا على علم أهل المدينة، وهو في روايته ناقد مدقق، إذا شك في حديث طرحه، وثق بروايته القدماء وقدموه على شيوخه. 
اختص بزيادة مدرك آخر للأحكام غير المدارك المعتبرة عند غيره وهو عمل أهل المدينة، رفض أن ينسخ كتابه (الموطأ) ويبعث إلى الأمصار في خلافة المنصور وقيل في خلافة المهدي، فكان جوابه: "يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليه أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات, وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم, وإنَّ ردهم عما اعتقدوه شديد, فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل بلد لأنفسهم".
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي: َ"نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ ضَرَبُوا أَكْبَادَ الْإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَجِدُوا عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ مَالِكٍ فِي وَقْتِهِ. وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مَعَ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ: إمَّا مُوَافِقٌ؛ وَإِمَّا مُنَازِعٌ فَالْمُوَافِقُ لَهُمْ عَضُدٌ وَنَصِيرٌ وَالْمُنَازِعُ لَهُمْ مُعَظِّمٌ لَهُمْ مُبَجِّلٌ لَهُمْ عَارِفٌ بِمِقْدَارِهِمْ، وَمَا تَجِدُ مَنْ يَسْتَخِفُّ بِأَقْوَالِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ إلَّا مَنْ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ مَالِكًا هُوَ الْقَائِمُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مِنْ رُجْحَانِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَمْصَارِ. 
كان مجلسه مجلس وقار وحلم، وكان ثقة، مأمونا، ثبتا، ورعا وحجة، مبالغاً في تعظيم علم الدين لا سيّما حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يقول: العلم نور يجعله الله حيث شاء وليس هو بكثرة الرواية،
أشهر كتبه (الموطّأ) وهو أحد كتب الحديث الستة، صنفه في أربعين سنة وأوطأ عليه فقهاء المدينة، وهو عدة مذهب مالك وأسسه، وعهدة مذهب الشافعي وأحمد ورأسه، ومصباح مذهب أبي حنيفة وصاحبيه ونبراسه، قال الشافعي (ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك)، وضعه على نحو عشرة ألاف حديث، أبقاه منها بعد نظر طويل متوخيا القوي من أحاديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة والتابعين ومن غيرهم، وقسّمه على أبواب الفقه، عني به المسلمون رواية وشرحا وتعليقا.
ونقل أصحابه عنه من المسائل والفتاوى والفوائد شيئا كثيرا مثل (المدونة) و(الواضحة) وله تفسير (غريب القرآن) ورسالة (الرد على القدرية) و(المسائل) و(رسالة الوعظ)، وينتشر المذهب المالكي في شمال أفريقيا والسودان، ومدحه أحد العلماء فقال:
يدع الكلام فلا يراجـــــع هيبة        والسائلون نواكس الأذقــــان

سيما الوقار وعزّ سلطان التقى
        فهو المهيب وليس ذا سلطان
وقال الشافعي: شهدت مالكاً رحمه الله وقد سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها لا أدري، وقال: إذا ذكر العلماء فمالك البحر وما أحد منّ عليّ من مالك.
وأخرج الإمام الترمذي رحمه الله في سننه "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدًا أعلم من عالم المدينة" ودرجة الحديث حسن وجمهور أهل العلم في تفسير هذا الحديث على أنه صاحبنا الذي نؤرخ له في صفحتنا هذه.
وقال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر وقد سماها السلسلة الذهبية.
ومن كتب المالكيّة: (الموطأ) للإمام مالك بن أنس، و(المدونة) لعبد السلام بن كنون، و(الوجيز) لعبد السلام بن غلاب، و(البصائر) لعبد الله بن شكر، و(التلقين) لعبد الوهاب بن علي، و(جامع الأمهات) لعثمان بن الحاجب، و(التلقين) لعبد الوهاب البغدادي، و(الخصال) لمحمد بن زرب، و(الخصال) لمحمد القرطبي، و(مختصر خليل الزقاني)، و(بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لمحمد بن أحمد بن رشد، و(القوانين الفقهية) لمحمد بن احمد بن جزي، و(التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس) لعبيد الله بن الحسين بن الحسن أبو القاسم ابن الجلاب، و(الشامل في فقه الإمام مالك) لبهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدميري المالكي.
وصدرت تحت عنوان (خزانة المذهب المالكي أصولاً وفروعاً) دراسة أكاديمية جَادّة، عميقة الطّرح، مفيدة جدّاً لطلاب الفقه عامةً، وللباحثين والمهتمين بمذهب الإمام مالك بن أنس، جمع فيه الباحث مؤلفات علماء المذهب مرتبة على المواضيع مع وصف فني وعلمي لكل مُؤلف وكتاب وتعريف بمؤلفه ومنهجه، ومن كتبها: (الأحكام لابن حبيب) لعبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي، (المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة – توثيقا ودراسة) لمحمد المدني بوساق، و(إصطلاح المذهب عند المالكية) لمحمد إبراهيم علي، و(انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الإمام مالك) لأبي عبد الله شمس الدين الراعي،  و(اختلاف أقوال مالك وأصحابه) لأبي عمر يوسف بن عبدالله محمد بن عبد البر النمري، وغيرها.
وممن شرح الموطّأ: حكيم الهند العلامة الفقيه المحدث أحمد بن عبد الرحيم المعروف بالشيخ وليّ الله الدهلوي: (المسوى شرح الموطا)، و د. عبد الخالق ماضي (شرح الموطّأ)، وشرحه محمد بن عبدالباقي الزرقاني في (شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك)، وألّف د. الطاهر الأزهر خذيري (المدخل إلى موطّأ الإمام مالك بن أنس)، وألّف الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي الهندي (أوجز المسالك إلى موطأ مالك)، وألّف يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (التمهيد لما في الموطّأ من الأسانيد) وهو كتاب فريد في بابه، وموسوعة شاملة في الفقه والحديث، شرح فيه الموطّأ، ورتبه ترتيبا آخر يختلف عن ترتيب الإمام مالك، رتبه بطريقة الإسناد على أسماء شيوخ الإمام مالك، الذين روى عنهم ما في الموطأ من الأحاديث، وجمع أحاديث كل راوي في مسند على حدة معتمدا في ترتيبهم على حروف المعجم وترجم للرواة وخرّج الأحاديث، وألّف الشيخ أبي عبد الله الشيخ محمد أحمد عليش المالكي المصري (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك).
وممن اعتنى بموطّأ الإمام مالك الشيخ محمد علوي المالكي حيث ألّف: (دراسات حول الموطّأ) و(فضل الموطّأ وعناية الأمّة الإسلاميّة به) و(دراسة مقارنة عن روايات موطّأ الإمام مالك) و(شبهات حول الموطّأ وردها) وكتب في سيرته (إمام دار الهجرة مالك بن أنس)،
توفي الإمام مالك ليلة 14 صفر سنة 179 هجريّة بالمدينة المنوّرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، في خلافة هارون الرشيد ودفن بالبقيع.
______________________________________________________________________
(1) غاية النهاية ج 2 ص 35 للجزري. (2) طبقات ابن سعد القسم المتمم ص 433. (3) الأعلام م 5 ص 257 خير الدين الزركلي. (4) شذرات الذهب ج 1 ص 289 لعبد الحي بن أحمد ابن العماد العكري. (5) سير أعلام النبلاء ج 8 ص 43 شمس الدين محمد الذهبي. (6) حياة الحيوان الكبرى ج 2 ص 384 كمال الدين الدميري. (7) مجموع الفتاوي 325/20 ابن تيميّة. (7) التعريف بخزانة المذهب المالكي أصولاً وفروعاً. (8) مفكرة الإسلام وفاة الإمام مالك بن أنس... إمام دار الهجرة. (9) صفحتان من مخطوط الموطّأ نسخة مسيعيد بن أحمد العازمي (الكويت).

الزيارات: 2299