لعلّلك تنجو من عسيرها

نشر بتاريخ: الأربعاء، 06 أيلول/سبتمبر 2017 كتب بواسطة: الكاتبة الإسلاميّة رقية القضاة

قام أبو ذرّ الغفاري عند الكعبة فقال {يا ايها النّاس أنا جندب الغفاري، هلمّوا الى الأخ الناصح الشفيق، فاكتنفه الناس فقال: أرأيتم لو أن أحدكم اراد سفرا اليس يتّخذ من الزّاد ما يصلحه ويبلّغه؟ قالوا: بلى،  قال: فإن سفر طريق القيامة أبعد ما تريدون، فخذوا ما يصلحكم، قالوا: وما يصلحنا ؟

قال: حجّوا حجّة لعظائم الأمور، وصوموا يوما شديد حرّه لطول النّشور، وصلّوا ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها أو كلمة شرّ تسكت عنها لوقوف يوم عظيم، تصدّق بمالك لعلك تنجو من عسيرها اجعل الدنيا مجلسين، مجلسا في طلب الحلال ومجلسا في طلب الآخرة، والثالث يضرّك ولا ينفعك فلا ترده، والمال درهمين درهما تنفقه على عيالك من حلّه، ودرهما تقدّمه لآخرتك، والثالث يضرّك ولا ينفعك فلا ترده، ثم نادى بأعلى صوته يا أيها الناس قتلكم حرص لا تدركونه ابدا}.
إنه الجيل المحمدي بامتياز، القرآني بتفرد، صحابة رموا خلف ظهورهم الدنيا بغرورها، والشهوات بقيودها، وتعلّقوا بكلام ربّهم وحبله المتين، واستمسكوا بالعروة الوثقى، وتسلّحوا بسنّة نبيّهم ولأجل دينهم سلّوا سيوفهم من أغمادها، وشرّعوها لإقامة العدل، فقاموا بالاستخلاف الرباني خير قيام، ولم تتوقف خيريتهم عند أيّام قضوها مع نبيّهم، بل استمرّوا في حمل الأمانة وكأنّه صلى الله عليه وسلم، مقيم بينهم، وعرفوا أن التناصح حق معلّق في اعناقهم فحملوا لواءه، حتى لقوا ربّهم.
وابو ذر الغفاريّ، يحمل كلمات الحبيب في صدره، ويبلّغها لمن يلقاه، ويجمع النّاس ليسمعوا تلك الوصايا المحمدية الغالية، ويدرك أنّها أمانة للأمة عنده لا بد أن يؤديها، وكلمة حق وصدق يجب أن يقوم بها، وها هو ينادي في النّاس أن هلمّوا إلى النجاة والخير والفلاح، يوجّه الامة إلى التسلح بالطاعات والتقرب إلى الله بالقربات، ليحجوا الحج المبرور استعانة على النوائب، وليصوموا الأيام شديدة الحر ابتغاء الورد على حوض الحبيب، وليقوموا الليل بركعات تقيهم وحشة القبر وظلمته، وليمسكوا الألسن عمّا يغضب الله، وليطلقوها فيما يقيم أمر الامة يصلحها، فالكلمات أجر وبركة أو وزر وشقاء، وليتحرّوا الحلال في الكسب والإنفاق، ولتكن مجالسهم منارات هدي وذكر وتناصح، ولتكن الصدقة متصلة دائمة، مال يقرض لله فيضاعفه اضعافا كثيرة، ولعلها أن تكون وسيلة النجاة من يوم عسير، تشخص فيه الابصار، وتترقب فيه النفوس الرّحمات، فتفتّش في خبايا الصّالحات عن عمل ينجيه من عسير ذلك اليوم، ولعلها أن تكون الصدقة ولا ينسى أبو ذر الصحابي الصادق اللسان ان يحذّر المؤمنين فمن الحرص، ذلك الداء الذي أوهن الأمة وفتّ في كيانها وأغرى بها عدوّها، فيلقي بكلماته تلك بكل حرص الأتقياء الامناء على أمتهم وشرعهم ودينهم، فنذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلّم{ما أقلت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من رجل اصدق من أبي ذرّ}.


*   *   *   *   *

الزيارات: 1719