أخطر وثيقة استعمارية (وثيقة هنري كامبل بنرمان 1907)
دعا حزب المحافظين البريطاني كلا من فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا عام 1905 الى عقد مؤتمر سري يهدف إلى إعداد استراتيجية أوربية، لضمان سيادة الحضارة الغربية على العالم، وإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري إلى أطول أمد ممكن.
ولما كان حزب المحافظين خارج الحكم، فقد قدم فكرة الدعوة إلى عقد المؤتمر إلى رئيس حزب الأحرار: هنري كامبل بنرمان رئيس الوزارة البريطانية آنذاك.
ودعيت إلى المؤتمر الدول الاستعمارية كافة وهي:
بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال.
وشارك في المؤتمر فلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد، إضافة إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار.
ويمكن إيراد أسماء بعض المشاركين:
البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب « زوال الامبراطورية الرومانية »
البروفسور لوي مادلين: مؤلف كتاب: « نشوء وزوال امبراطورية نابليون »
الأساتذة: لستر وسميث وترتخ وزهروف.
افتتح « كامبل » المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها:
« إن الامبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ثم تنحل رويداً رويداً ثم تزول والتاريخ ملئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك امبراطوريات : روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم.
فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره ؟
وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا.. »
أنهت اللجنة أعمالها في العام 1907 وقدمت توصياتها إلى المؤتمر. خرج المؤتمر بوثيقة سرّية سميت « وثيقة كامبل » أو « تقرير كامبل » أو توصية مؤتمر لندن لعام 1907″، ولقد توصل المجتمعون الى نتيجة مفادها:
"نص وثيقة كامبل 1907"
"إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار، لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعي الى القارتين لآسيوية والإفريقية، وملتقى طرق العالم، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات، والإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان".
وأبرز ما جاء في توصيات هذا المؤتمر:
1 ـ الإبقاء على شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة.
وهي استراتيجيّة أوروبيّة لضمان سيادة الحضارة الغربيّة، وطول أمدها، لذلك فهي ترى العالم من خلال ثلاث مساحات.
وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة اليهم الى ثلاث فئات
الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية ( دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأوستراليا ) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل الى أعلى مستوى من التقدم والإزدهار.
الفئة الثانية : المساحة الصفراء، دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديداً عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديداً عليها وعلى تفوقها.
الفئة الثالثة: المساحة الخضراء، دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديداً لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه هذه الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لإمتلاك العلوم التقنية.
2 ـ محاربة أي توجه وحدوي فيها.
ولتحقيق ذلك، دعا المؤتمر الى إقامة دولة في فلسطين، تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي، يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي، والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب هي دولة إسرائيل، واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة.
فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة الإسرائيلية، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما يبقي العرب في حالة من الضعف.
لقد تم عرض مئات من البحوث ومن الدراسات والأوراق كثير منها لم يتم الكشف عنه.
ولعل أكتشاف النفط في العالم العربي والى ظهور منافس قوي في هذا المجال ألا وهو الولايات المتحدة قد سَرع في تنفيذ مقررات هذا المؤتمر من أجل السيطرة على هذه الثروة واحتلال العالم العربي وتقسيمه.
"ملف وثائق فلسطين" الهيئة العامة للاستعلامات في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر سنة 1969