محمد فوزي فيض الله

نشر بتاريخ: الإثنين، 04 كانون1/ديسمبر 2017 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

امتاز علمه بالتوثيق والتحقيق، وخلقه بالتواضع والوفاء، وكان صادقاً في عبوديته لله
(1343/1925 ـ 1439/2017)
بقلم: محمد علي شاهين
أحد علماء الحنفيّة البارزين، أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق (1963 ـ 1973)، رئيس قسم الفقه والأصول في كليّة الشريعة والدراسات الإسلاميّة بجامعة الكويت، وعضو هيئه الفتوى في كلية الشريعة بجامعة الكويت، وعضو هيئة الفتوى وعضو اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كليّة الحقوق والشريعة بجامعة الكويت،

وعضو هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، عضو الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي ولعدة مؤسسات مالية إسلامية.
ولد في حي البياضة بمدينة حلب، وكان بيت أسرته بيت علم ودين، وتلقى تعليمه الأوَّلي في كتاب الشيخ أحمد التادفي، حيث أتقن قراءة القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة، ثمّ انتسب إلى مدرسة (الفيوضات) الابتدائية، وتخرج بها عام 1935.
 وتتلمذ على علماء حلب وكانت في تلك الفترة تعجّ بالعلماء أمثال: الشيخ محمد سعيد الإدلبي، والشيخ محمد أسعد العبه جي، وكان أبرز شيوخه الشيخ أحمد الكردي، والشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ محمد راغب الطباخ.
التحق بالمدرسة الخسروية بحلب المشهورة بأزهر سوريّة، وتخرج فيها سنة 1942 بتفوّق، ثم توجّه إلى مصر لإكمال تعليمه، ونال الشهادة العالية في الشريعة من الأزهر عام 1947ونال جائزة الملك فاروق لتفوقه على أقرانه من طلبة الأزهر.
ثمّ دفعه حبه للّغة العربية إلى الانتساب إلى كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة فؤاد الأول، وتخرج بها عام 1953م، ثمّ حصل من هذه الكلية على درجة (الماجستير) في اللغة العربية ولهجاتها عام 1956م، ثمّ سجل رسالة لنيل درجة الدكتوراه بعنوان (قراءة الكسائي وصلتها باللهجات العربية)، لكنه لم يتمها، وعاد إلى موطنه وعمل معيداً في كلية الشريعة بجامعة دمشق، التي أوفدته عام 1958م إلى كلية الشريعة في جامعة الأزهر، ليحصل منها على درجة (الماجستير) في الفقه الإسلامي عام 1960م، ثمّ (الدكتوراه) في الفقه أيضاً عام 1963 من كلية الشريعة في الجامع الأزهر، وحصل على درجة الأستاذية (دكتوراه) عام 1973، ولقي في مصر كثيراً من المشايخ والعلماء أمثال الشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد أبي زهرة، والشيخ علي الخفيف، والشيخ عبد الوهاب خلاّف وتتلمذ عليهم.
وكان جمّاعة للكتب، قارئاً نهماً، دقيق الفهم، واسع الأفق، كثير الاطّلاع على كتب التراث العربي والإسلامي.
ووصف بالصدق والورع، والعكوف على العبادة والذكر، والزهد بما في أيدي الناس، والحرص على تربية طلبة العلم الشرعي.
تولى التدريس في كليّة الشريعة بجامعة دمشق (1963 ـ 1969)، وظهر فيها نبوغه وفضله، لكن وزارة التعليم في عهد البعث وجدت فيه خطراً على علمانيتها، وضحالة فكرها، وعقم مناهجها، فطردته من التعليم الجامعي فيها عام 1969 بقرار رئاسي، ونقلته إلى وزارة الصحّة مع عدد من إخوانه للتخلّص من منطلقاتهم العلميّة الأصيلة وروحهم السامية.
وعندما فكّر بالهجرة سبقته شهرته العلميّة وفقهه وورعه إلى السعوديّة والكويت ولبنان، فاستقبل مرحّباً به في عدد من الكليات والجامعات منها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة، وكليّة الشريعة والدراسات الإسلاميّة بجامعة الكويت (1980 ـ 2000)، وكلية الأوزاعي في بيروت.
وبرز في مجال التدريس والمحاضرات والخطابة والإفتاء والتأليف والبحث العلمي، وشارك في الكثير من اللجان الشرعية التخصصية والمؤتمرات العلميّة.         
وعندما أثيرت قضيّة التصرّف في أعضاء الإنسان أفتى بأنّه: لا يحل التصرف في الإنسان المكرم عند الله، ببيعه، أو بيع أي عضو منه، حيا أو ميتا: ولا ينفذ ذلك البيع، بل هو باطل، يلزم نقضه، ولا يقبل الإجازة، ولا تسرى عليه أحكام التقادم، ولا يلزم بالقبض ولا بالشروط، ولا يترتب عليه حكم من الأحكام التي تترتب على العقد الصحيح ـ كما يقول الكاساني. وقال: والفقهاء يعللون عدم جواز بيع الحر، ولا بيع أعضائه، لعدم ماليته، إذ من شروط صحة عقد البيع ـ بالإجماع ـ أن يكون محله قابلا للتعاقد، وذلك بأن يكون: مالا متقوّما مملوكا جائز الانتفاع به. 
 ألّف: (فصول في الفقه الإسلامي العام) 1387/1967 و(المسؤوليّة التقصيريّة بين الفقه والقانون) و(المذاهب الفقهية: تعريف موجز بالمذاهب الفقهية الأربعة القائمة في عصرنا، وبغيرها من المذاهب) و(تكافل الاجتماعي وصلته بالزكاة) و(صلة علم الأصول باللغة العربي) و(الأنباري من خلال كتاب الإنصاف) و(وكذلك جعلناكم أمة وسطا) و(طلاق الثلاث بلفظ واحد) و(الطلاق ومذاهبه في الشريعة الإسلاميّة) و(نظريّة الضمان في الفقه الإسلامي العام) و(الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة) و(الزواج وموجباته في الشريعة والقانون) و(الإلمام بأصول الأحكام)، وله العديد من الأبحاث والدراسات.            
وجرى تكريمه في ندوة جهود علماء حلب في العلوم الإسلاميّة عام 2007، وألقى كل من الشيخ نور الدين عتر، ود. محمود عكام كلمة طيّبة في هذه المناسبة.
وعدّد الدكتور عكام مزايا المحتفى به فقال: تميز الدكتور فوزي بأمور ثلاثة:
 العلم: وكان علمه يمتاز بالتوثيق والتحقيق، التوثيق من حيث نسبة الأقوال إلى قائليها، والتحقيق الذي يعني تماسك الفكرة ومناسبتها للسامع والمتلقي.
الخُلُق: ويمتاز الدكتور فوزي بخلقين اثنين: التواضع والوفاء، وكل من عرف الدكتور فوزي يشهد أنه كان متواضعاً، وهذه الخصلة قلما توجد في من يتصف بالعلم اليوم، ومن تواضعه أنه كان يكتب تحت محاضراته وكتبه و.و. خادم العلم وطلابه الشرفاء، وسمعته خادم نعال طلاب العلم الشرفاء، أما الوفاء فكان وفياً لوالديه وكان يزور قبرهما يومياً ويدعو لهما دائماً، ووفاؤه مع أصدقائه أنه يدعو لهم ويسميهم بأسمائهم، ومن وفائه مع العلم نسبته إلى قائليه.
وكان صادقاً في عبوديته وتتناول عبوديته أمرين اثنين: القرآن الكريم والحب في العبادة، كان حافظاً للقرآن يعرض نفسه عليه، كنت معه ذات يوم فقال لي: يا محمود تعالَ نعرض أنفسنا على قوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) هل نحن ممن يريد العلو في الأرض؟ هل نحن ممن يريد الفساد في الأرض؟ إذاً العاقبة الحسنة لنا.
وختم قائلاً: كان فيض الله محباً لربه في عبادته لربه وما أروع العبادة يوم تغلف بالحب وكل علاقاتنا تغدو جليلة يوم يغلفها ويجلببها الحب.
كتب في سيرته: محمد ياسر القضماني في (محمد فوزي فيض الله: العلاّمة الفقيه المربي).
وفي صباح يوم الإثنين الخامس من محرم الحرام ١٤٣٩ الموافق ٢٥ سبتمبر أيلول 2017 غادر دنيانا الفانية العلاّمة محمد فوزي فيض الله، ففقدتْ الأمّة الإسلامية بوفاته واحداً من أعلام أبنائها المخلصين، وعلمائها العاملين، مهاجراً غريباً مظلوماً، في محافظة إسبارطة بتركيا.
وكان على المسلمين أن يعلنوا وفاته على مآذنهم، ويصلّوا عليه صلاة الغائب في محاريبهم، لكن يكفيه من الدنيا وعد الله له بالأجر الجزيل على هجرته وعلمه.
"والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوِئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. " صدق الله العظيم.










________________________________________________________________ (1) كلمة الدكتور محمود عكام في حفل تكريم الدكتور فوزي فيض الله 11/2/2007. (2) وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة بالكويت ـ إدارة الإفتاء. (3) الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينعي فضيلة العلاّمة الشيخ فوزي فيض الله رحمه الله 25/9/2017. (4) مجلة المجتمع ـ منتدى العلماء وفاة عضو هيئة الفتوى في الكويت، العالم محمد فوزي فيض الله (5) رابطة العلماء السوريين محمد فوزي فيض الله، محمد عدنان كاتبي.

الزيارات: 2654