محمد سرور بن نايف زين العابدين
الرجل الذي فتح أعيننا على الخطر الفارسي ووقف مع شعبه في أشد أيّام محنته
(1357/1938 _ 1438/2016)
داعية إسلامي قدير، أحد مؤسّسي "المنتدى الإسلامي"، و"المجلس الإسلامي السوري"، و"مركز دراسات السنّة النبويّة" الذي صدرت عنه (مجلة السنّة) وصاحب (مجلة البيان).
ولد في قرية تسيل بمنطقة حوران التابعة لمحافظة درعا بسوريّة.
انتسب إلى "جماعة الإخوان المسلمين" في وقت مبكّر، وكان عضواً نشيطاً في صفوفها، تأثّر بمؤلّفات الشهيد سيّد قطب، وعني بتفسير الظلال عناية خاصّة، واهتم بتراث شيخ الإسلام ابن تيميّة، وأخذ ينحو منحى فكريّاً مستقلاً عن الجماعة في أواخر الستينات، يجمع بين مبادئ "الإخوان المسلمين" والدعوة السلفيّة،
وزاوج بين العمل الاسلامي التنظيمي والاهتمام السياسي من ناحية، والاشتغال بالعلم الشرعي والبناء العقائدي على منهج السلف الصالح من ناحية أخرى، وبقي وفيّاً للجماعة محافظاً على علاقة طيّبة مع إخوانه.
وفي مطلع الثمانينات فرّ من قمع واضطهاد النظام البعثي النصيري إلى الأردن، فأقام بها سنوات يرقب من خلف الحدود سهول حوران والجولان المحتل، ويستعيد ذكريات مرابع الطفولة والشباب، ويحمل بين جنبيه خافقاً متدفّقاً بحب الله، متوهّجاً بمجد الإسلام وانتصاره.
ثمّ تعاقد مع المعاهد العلميّة بالمملكة العربيّة السعوديّة للاشتغال بالتعليم، وأقام ببريدة في منطقة القصيم، وتمتع بالجو العلمي الهادئ، واستفاد من المكتبات العامّة، والاستقرار الذي افتقده في سوريّة، وبها ألّف معظم كتبه.
ويعود له الفضل في فتح أعيننا على خطر المجوس، وفضح علاقة الخمينيّة بالصهيونيّة، والتحذير من الأطماع الفارسيّة ببلاد الشام والعراق ودول الخليج، في وقت مبكّر، من خلال كتابه (وجاء دور المجوس) الذي نشره في السبعينات باسم مستعار: عبد الله محمد الغريب، الذي كنّا نتشوّق لمعرفته وهو يعيش بيننا.
ثم أقام بالكويت سنوات، ثم سافر إلى بريطانيا وأصدر فيها (مجلة البيان) واسعة الانتشار.
ألّف كتباً منها: (دراسات في السيرة النبويّة) و(منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله) و(حقيقة انتصار حزب الله) و(العلماء وأمانة الكلمة) و(أزمة أخلاق) و(مأساة المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان) و(اغتيال الحريري وتداعياته على أهل السنّة) وسلسلة (الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو) و(الشيعة في لبنان ..حركة أمل نموذجا).
وكانت له مواقف جريئة، ومنها موقفه من مسألة الاستعانة بالقوّات الأجنبيّة في حرب الخليج الثانيّة، وانتقاده العلماء الذين يحشدون الأدلّة التي تؤيّد مواقف رؤسائهم، وسكوتهم عن الأخطار الداهمة إيثاراً للسلامة.
وقد جرّت عليه مواقفه الصلبة حملات الخصوم، فحمّلوا عليه عبارات لم يقلها، وبالغوا في نقد أفكاره وآرائه، حتى افتى بعضهم بتمزيق كتبه وتحريم بيعها، واتهموه بأنّه صاحب بدعة وهو المطارد المتهم بتمسكه بسنّة المصطفى، وقالوا يريد تفريق المسلمين وهو الذي أمضى حياته داعية حب ووئام بينهم.
واتهمه الشيخ الجامي سامحه الله بأنّه أشعري العقيدة، له أهداف سياسيّة، وأنّه طموح يعشق الكرسي، واستنكر دعوته للخروج على الحكّام (أمثال بشار الأسد الذي قتل نصف مليون مسلم) تحت دعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأنّه لم يلجأ إلى بريطانيا إلاّ ليبثّ سمومه بين الشباب، وأنّه يعلّم الشباب في مجلاته البذاءة وطول اللسان والنيل من الناس وخصوصاً من الحكّام.
قال الشيخ سلمان العودة: وجدته شخصا مختلفا، حنّكته التجارب وعلمته الأيام.. ولم يكن لديه مشكلة في التصحيح، كان يكتب مذكراته والتي بلغت 13 جزءا،" وألمح العودة إلى تبدل في أفكار الشيخ قبل رحيله قائلا: "بعض الناس إذا عرفوا شخصا على وضع معين ظلوا يحاكمونه دائما وأبدا على أساس الصورة النمطية التي لديهم، يحدث له تغييرات هائلة ولا يشعرون.
وعندما اشتعلت ثورة الكرامة في سوريّة، وقف مع شعبه داعماً ومؤيّداً، لأنّه كان مع الحريّة والعدالة، يكره الظلم ويأنف الاستبداد، ولم يشغله ذلك عن متابعة الشأن العراقي والاهتمام به والعناية بأخباره وتفاصيله، وكانت له في هذا السياق علاقة متميزة بهيئة علماء المسلمين في العراق وأمينها العام الراحل الشيخ حارث الضاري رحمه الله، وبقي وفيّاً لقضايا المسلمين حتى آخر يوم من حياته.
وأقام في قطر بين إخوانه وعارفي فضله، واتخذ في عّمان داراً وبقي يتردّد على العاصمة الأردنيّة التي أحبّها سنوات حتى وفاته، وكم سعدنا بجلساته الفكريّة وطروحاته النظريّة بحضور أخوة كرام، جمعهم الاغتراب وحب الإسلام والاستعداد لكل ما يلقونه من أجل نصرة قضايا المسلمين.
ورجعت النفس المطمئنّة إلى ربها راضية مرضيّة مساء الجمعة 11 صفر 1438 الموافق 11/11/2016، بالعاصمة القطريّة، ودفن في مقبرة أبو هامور.
رحم الله الشيخ محمد سرور زين العابدين، وسامح من ظلمه وتقوّل عليه، فقد كان صاحب رؤيا واستشراف، فقد أدرك حقيقة الخطر الفارسي وأطماع إيران في المنطقة العربيّة، وفضح القوى التي استعانت بالفرس لاستئصال أهل السنّة في بلاد الشام في وقت مبكّر، وما عرفناه صاحب هوى ولا ابتداع.
وقال المجلس الإسلامي السوري في بيان نعيه: إن الفقيد غني عن التعريف، فشهرته بلغت الآفاق، وترك أثراً بارزاً في سجل الفكر والدعوة والتأريخ الإسلامي، فقد جمعت كتاباته بين الوعي والعمق والتحقيق والدقة، وكان رحمه الله من أوائل من حذر الأمة من الخطر الصفوي الرافضي الباطني.
_____________________________________________________________
(1) عربي 21 نت 12/11/2016 وفاة الداعية محمد سرور زين العابدين ...من هو الشيخ؟. (2) صحيفة السبيل 11/11/2016 وفاة الشيخ محمد سرور زين العابدين. (3) المسلم نت 12/2/1438 وفاة الشيخ محمد سرور زين العابدين. (4) بيان تعزية المجلس الإسلامي السوري 11/11/2016. (5) موقع حقيقة الإخوان المسلمون السروريّة فرقة منبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين.(6) بيان نعيه، هيئة علماء المسلمين في العراق.