دمشق الفيحاء
الفيحاء، جنّة الأرض، عاصمة الأمويين، كانت مركزاً اقتصاديّاً وسياسيّاً وعاصمة للمملكة الآراميّة، وصلة الوصل بين حضارة مصر وحضارة ما بين النهرين.
تقع في أرض مستوية على مدخل الصحراء، تحيط بها من جميع جهاتها الجبال الشاهقة، وبها جبل قاسيون، فتحها أبو عبيدة عامر بن الجرّاح، ومعه خالد بن الوليد سنة 14/635 فسكنها المسلمون، اختارها معاوية بن أبي سفيان عاصمة له سنة 35/656 انتهى عصرها الذهبي إثر قيام الدولة العبّاسيّة وانتقال الخلافة إلى العراق، شهدت في عهد الدولتين النوريّة والصلاحيّة مجداً وعزاً، واجتاحها هولاكو سنة 658/1260، وألحقت بمصر بعد انتصار المماليك على المغول في عين جالوت، ضرب بجامعها المثل في حسنه، وهو أحد عجائبها ؛ قال أبو بكر الرازي: رأيت جنّات الدنيا كلّها فأفضلها غوطة دمشق.
وقال القزويني: وأهل الشام أكثر الناس خلقاً وخلقاً وزيّاً ؛ وعندما قدم المتوكّل العباسي إليها سنة 244/ أعجبته وعزم على المقام بها، ونقل دواوين الملك إليها، وأمر بالبناء بها ؛ وبشّر الرسول (ص) بفتح الشام وأوصى بسكنى دمشق فقال: ستفتح الشام فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنّها خير مدائن الشام، وهي معقل المسلمين في الملاحم ؛ وذكر ابن عبّاس أن المقصود من (وآويناهما إلى ذات قرار ومعين) دمشق ؛ وقال سعيد بن المسيّب (إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد) يعني دمشق ؛ وروى أبو هريرة أنّها من مدائن الجنّة ؛ وعن النوّاس بن سمعان أنّه ينزل عيسى بن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق ؛ وعن مكحول أنّ فسطاط المسلمين في الملاحم أرض يقال لها دمشق الغوطة.
ووصفها القلقشندي: مدينة عظيمة البناء، ذات سور شاهق، لها سبعة أبواب، حسنة الترتيب، جليلة الزينة، ذات حواجز بنيت من جهاتها الأربع، وغوطتها إحدى منتزهات الدنيا العجيبة المفضّلة على سائر منتزهات الأرض، وبها الجوامع والمدارس والزوايا والأسواق المرتّبة ؛ ووصفها القاياتي في كتاب رحلته فقال: دمشق هذه طيّبة التربة، عذبة الماء، كثيرة الأنهار ينصبّ فيها الماء من سبعة أبحر، منها نهر بردى ونهر يزيد وغيرهما.
وذكر صاحب "الإشارات إلى أماكن الزيارات" أنّه يقال أنّ ثلاثاً من أزواج النبي (ص) بمقبرة باب الصغير، وذكر مكحول أنّ بدمشق خمسمائة قبر من الأنبياء. وممن دفن بدمشق: خولة بنت الأزور وأخوها ضرار، وشرحبيل بن حسنة، وبلال بن رباح، وأبو الدحداح، وأبو الدرداء، ومعاوية ن أبي سفيان، ودحيّة الكلبي، وسكينة بنت الحسين، وزينب بنت علي بن أبي طالب، وصلاح الدين لأيوبي، ونور الدين زنكي، وغيرهم من الصحابة والتابعين وأبطال الإسلام وعظماؤه.
وأشهر مكتباتها: مكتبة مجمع اللغة العربيّة، ودار الكتب الظاهريّة، وأبواب سورها: باب كيسان، وباب شرقي، وباب توما، وباب الجابية، وباب الفراديس، وباب الصغير، وباب المسدود ؛ وعدّ ابن عساكر في تاريخ دمشق الكبير سبعة وخمسين حمّاماً سوى حمّامات القرى في دمشق، وعدّ تسع عشرة قناة لنهر بردى ؛ ويعتبر متحف دمشق الوطني من أبرز وأغنى متاحف العالم، حوت خزائنه كنوزاً لا مثيل لها، وضمّت قاعاته وأروقته مكتشفات أثريّة تعود لأوغاريت وتدمر وتل الحريري، وآثاراً عربيّة وإسلاميّة، وانتقل مقر المتحف من المدرسة العادليّة إلى بناء حديث مقابل التكيّة السليمانيّة.
ومما صنّف عن تاريخ دمشق وأعلامها: (التاريخ الكبير لدمشق) لابن عساكر، و(مدارس دمشق وربطها وجوامعها وحمّاماتها) لبدر الدين الإربلي، و(عرف النشق في أخبار دمشق) لأحمد المغربي، وحوادث دمشق اليوميّة) لحمد بدير الحلاّق، و(الدر الكمين في علماء دمشق) و(روض البشر في أعيان دمشق في القرن الثالث عشر) لمحمد جميل الشطّي، و(أمراء دمشق في الإسلام) لصلاح الصفدي، و(الروضة الغنّاء في دمشق الفيحاء) و(تاريخ دمشق) لنعمان قساطلي، و(دمشق) لصفوح خير، و(تاريخ دمشق) لغيث بن علي الأرمنازي، و(الروضة البهيّة في فضائل دمشق المحميّة) لمحمد عربي كاتبي، و(خلاصة نزهة الخاطر في تراجم قضاة دمشق) لموسى الأيوبي.
______________________________________________________________ (1) معجم البلدان م 4 ص 72 ياقوت الحموي. (2) آثار البلاد وأخبار العباد ص 189 زكريا بن محمد القزويني. (3) سير أعلام النبلاء ج 12 ص 31 شمس الدين محمد الذهبي. (4) دمشق، صفوح خير. (5) صبح الأعشى في كتابة الإنشا ج 4 ص 92 أحمد بن علي القلقشندي. (6) فتوح البلدان ص 127 أحمد بن يحي البلاذري. (7) تاريخ دمشق ج 1 ص 217 ـ 239 ابن عساكر. (8) نفحة البشام في رحلة الشام ص 129 محمد عبد الجواد القاياتي.
الزيارات: 14414