خليج غوانتانامو
تنفس الناس الصعداء، وعادوا من مخيمات اللجوء إلى المدن والبلدات المهدمة والقرى الخاوية في أفغانستان، ليعيدوا بناء ما دمرته الحرب، وخربته آلة الغزو الروسي الشرير.
واستعادت حكومة المجاهدين الأمن والاستقرار، وضربت على أيدي العابثين واللصوص وقطاع الطرق، ومنعت زراعة المخدرات وتجارتها في المناطق التي سيطرت عليها، وقضت على الفساد الإداري والخلقي الذي رافق الحرب، ولم يجد العائدون إلى البلاد سوى الفقر والبطالة والأمراض المستعصية بسبب استخدام اليورانيوم المشع في الغارات.
قررت بعض المنظمات السرية منازلة الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، فشنت أربع طائرات مخطوفة في الحادي عشر من أيلول 2001 هجمات استهدفت اثنتان منهما مركز التجارة العالمية بنيويورك، والثالثة مبنى البنتاغون بواشنطن، وتحطمت الرابعة في بنسلفانيا.
أخذت إدارة الرئيس جورج بوش الابن تبحث عن كبش فداء، وقامت بناءً على تقارير كاذبة، بحملة تفتيش واسعة استهدفت مواقع محتملة لتنظيم القاعدة، بحثاً عن أدلة لوجود أسلحة دمار شامل كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية، لتبرير احتلالها وألحقت الغارات على مطار كابل دماراً شديداً، واستهدفت الضربات الجوية العنيفة الكهوف والأنفاق وراء قمم الجبال، وصُور الهجوم الأمريكي على أنه عمل من أعمال الدفاع عن النفس، وازداد الطلب على أعضاء طالبان بعد انهيار دولتهم، وصار الحكم في كثير من المناطق لطالبان في الليل، ولقوات الحكومة المتحصنة بالنهار، وأصبح الحصول على مكافأة سخيّة في متناول يد من يسلم أعضاء بارزين لسلطة الاحتلال الأمريكي، أو يدلي بمعلومات تفيد في القبض عليهم.
وتكدس الأسرى في السجون والقلاع الحكومية حتى ضاقت على رحبها، وجرت عمليات نقل جماعيّة من مراكز الاعتقال إلى غوانتانامو، حيث صدرت الأوامر بإنشاء معتقل جديد لاحتجاز ألفي رجل من مقاتلي طالبان والقاعدة الخطرين.
صوّرنا معاناة المعتقلين من أهوال السجون، وما ذاقوه من ألوان التعذيب النفسي والجسدي وسوء المعاملة، وتركنا أبطال الرواية يتحاورون مع بعضهم، ومع سجانيهم، وكنّا في هذه الرواية شهوداً على انتهاكات حقوق الإنسان، وغياب العدالة، ليس في غوانتانامو وحدها.
يقول المؤلّف: ليس من الضروري أن يدخل الروائي سجن غوانتانامو ليكتب نصّاً أدبيّاً، يصف فيه السجن الرهيب الذي لا يمكن أن يكون هناك سجن في العالم بهذه القسوة.
لأنّ ما توصّل إليه الكاتب من معلومات خطيرة، ومشاهد مثيرة من خلال متابعته لهذه القضيّة، جعله يقف مشدوهاً أمام الأقفاص البشريّة، يرصد بألم وحسرة أفانين القهر والتعذيب على أيدي زبانية السجن وعملائه.
أمّا أبطال الرواية فرجال في مقتبل العمر، مثقّفون وأطبّاء ومحامون وتجّار، يحلمون بعالم إسلامي متحرّر من الهيمنة الأجنبيّة، جمعتهم أقدارهم وراء البحار، خرجوا على هذا العالم الموبوء بفوبيا الإسلام، ليروي من بقي حيّاً للأجيال حكاية ما جرى في بلاد الأحرار الشجعان خلال الحقبة السوفييتيّة، ويصف معاناة الأفغاني المتهم بالتخلّف وزرع المخدّرات، وما حلّ بشقيقه العربي بعد تقسيم بلاده، وانتزاع بقعة غالية من أرضه، واتهامه بالتطرّف والتعطّش للدماء.
رجال خلف القضبان، تنتزع منهم المعلومات تحت التعذيب، تنظر إليهم إدارة السجن على أنّهم كنز من المعلومات، يجب المحافظة عليه داخل الأسوار، وآخرون يخشون الإفراج عنهم خشية تسليمهم إلى بلدانهم الأصليّة، لا يدرون سبب اعتقالهم، ولكنّهم واثقون بعدالة قضيتهم، وأنّ الله لن يتخلّى عنهم.
جاءت هذه الرواية دعوة لإغلاق سجن غوانتانامو، وعودة الضحايا إلى أسرهم بعد هذا العناء، وإنهاء مشاعر العداء بين الشعوب، وصرخة في وجه الأنظمة التي تمارس الإرهاب وتتهم به شعوبها.
وأخيراً نرجو أن تكون روايتنا الثالثة "خليج غوانتانامو" تعبيراً عن ضمائركم الحرّة.
وصدرت هذه الرواية ولا يزال جرح أفغانستان وغوانتانامو ينزف، والناس في شغل عنها بما هو أدهى وأمرّ.
صدرت الرواية عن دار جهينة بعمان في 278 صفحة من القطع الصغير، بغلاف جذّاب أنيق صمّمه الفنان عثمان شاهين.
نرجو أن تنال هذه الرواية الإنسانيّة إعجابكم، وأن تلقى القبول عند النقاد وأهل الأدب.
المؤلّف
محمد علي سعد الدين شاهين