مقاوم بالثرثرة
قصيدة الشاعر احمد مطر
رائعة ومعبّرة بصدق وأصالة تلك القصائد الوجدانيّة الرائعة التي أبدعتها قريحة شعراء الربيع العربي، فخفقت لها القلوب، وحفظتها الصدور، وترنّم بها عشّاق الأدب في مجالسهم، ودعاة الإصلاح في محافلهم.
وتأتي قصيدة الشاعر أحمد مطر الذي عاش المحنة والمعاناة في العراق، غريباً طريداً، لتدوّن في ديوان الشعر العربي الحداثي حقيقة ما يجري على الساحة السوريّة من وقائع وأحداث وفجائع.
فجاءت كلماته نفثة مصدور، ودعوة صريحة للمطالبة بالثورة على الظلم والاستبداد، ورفض الاستسلام للأنظمة الحمقاء.
فمن هو الشاعر أحمد مطر ناظم هذه القصيدة:
ولد الشاعر في قرية التنومة، إحدى ضواحي شط العرب في محافظة البصرة في عام 1953، عاش طفولة صعبة، نشأ في كنف أخيه في محلّة الأصمعي ببغداد، ظهرت موهبته الشعريّة في وقت مبكّر، واعتلى منابر العراق، طرق شعر الغزل في بداياته الشعريّة، قبل أن يتناول الموضوعات السياسيّة والاجتماعيّة بالنقد، واضطر لوداع أهله ومرابع صباه والتوجّه إلى الكويت هرباً من القمع البعثي ومطاردة أزلام النظام في العراق، بسبب صدقه وصراحته، وعمل محرّراً ثقافيّاً في (جريدة القبس) الكويتيّة التي انضم إلى أسرتها، وهناك التقى مع رفيق دربه بالرسام الكاريكاتيري ناجي العلي.
تميّز أحمد مطر بالجرأة في النقد والصراحة في التعبير، وكان صادق اللهجة، أثار حفيظة الأنظمة العربيّة المصابة بالنرجسيّة والساديّة.
وصدر قرار الكويت بنفيه مع صديقه ناجي العلي، فهاجرا إلى لندن واتخذاها دار إقامة في عام 1986، وفي لندن اغتال الجبناء شقيق روحه ناجي العلي بمسدس كاتم للصوت، فزادت معاناته النفسيّة، لكنّ قلمة ازداد قوّة وجرأة، وكان من حقّه علينا أن نسميه بشاعر الحريّة.
جمعت أعماله الكاملة في ديوان، يحظى شعره بشعبيّة واسعة لدى الشباب العربي الثائر بسبب جرأته وصراحته.
يقول الشاعر:
مقاومٌ بالثرثرة
ممانعٌ بالثرثرة
له لسانُ مُدَّعٍ..
يصولُ في شوارعِ الشَّامِ كسيفِ عنترة
يكادُ يلتَّفُ على الجولانِ والقنيطرة
مقاومٌ لم يرفعِ السِّلاحَ
لمْ يرسل إلى جولانهِ دبابةً أو طائرةْ
لم يطلقِ النّار على العدوِ
لكنْ حينما تكلَّمَ الشّعبُ
صحا من نومهِ
و صاحَ في رجالهِ..
مؤامرة !
مؤامرة !
و أعلنَ الحربَ على الشَّعبِ
و كانَ ردُّهُ على الكلامِ..
مَجزرةْ
مقاومٌ يفهمُ في الطبِّ كما يفهمُ في السّياسةْ
استقال مِن عيادةِ العيونِ
كي يعملَ في " عيادةِ الرئاسة "
فشرَّحَ الشّعبَ.
و باعَ لحمهُ وعظمهُ
و قدَّمَ اعتذارهُ لشعبهِ ببالغِ الكياسةْ
عذراً لكمْ..
يا أيَّها الشَّعبُ
الذي جعلتُ من عظامهِ مداسا
عذراً لكم..
يا أيَّها الشَّعبُ
الذي سرقتهُ في نوبةِ الحراسةْ
عذراً لكم..
يا أيَّها الشَّعبُ الذي طعنتهُ في ظهرهِ
في نوبةِ الحراسةْ
عذراً..
فإنْ كنتُ أنا " الدكتورَ " في الدِّراسةْ
فإنني القصَّابُ و السَّفاحُ..
و القاتلُ بالوراثةْ !
دكتورنا " الفهمانْ "
يستعملُ السّاطورَ في جراحةِ اللسانْ
مَنْ قالَ : " لا " مِنْ شعبهِ
في غفلةٍ عنْ أعينِ الزَّمانْ
يرحمهُ الرحمنْ
بلادهُ سجنٌ..
و كلُّ شعبهِ إما سجينٌ عندهُ
أو أنَّهُ سجَّانْ
بلادهُ مقبرةٌ..
أشجارها لا تلبسُ الأخضرَ
لكنْ تلبسُ السَّوادَ و الأكفانْ
حزناً على الإنسانْ
أحاكمٌ لدولةٍ..
مَنْ يطلقُ النَّارَ على الشَّعبِ الذي يحكمهُ
أمْ أنَّهُ قرصانْ ؟
لا تبكِ يا سوريّةْ
لا تعلني الحدادَ
فوقَ جسدِ الضحيَّة
لا تلثمي الجرحَ
و لا تنتزعي الشّظيّةْ
القطرةُ الأولى مِنَ الدَّمِ الذي نزفتهِ
ستحسمُ القضيّةْ
قفي على رجليكِ يا ميسونَ..
يا بنتَ بني أميّةْ
قفي كسنديانةٍ.
في وجهِ كلِّ طلقةٍ و كلِّ بندقية
قفي كأي وردةٍ حزينةٍ
تطلعُ فوقَ شرفةٍ شاميّةْ
و أعلني الصرَّخةَ في وجوههمْ
حريّة
و أعلني الصَّرخةَ في وجوههمْ
حريّةْ
* * *